بندورا

Posted by Basy On 8/06/2012


لم يعد هناك الكثير من الوقت , لذا دعني اسدي لك نصيحه صغيره قبل أن يفوت الأوان ..

إن كنت رجل متوسط الحال ,
لست شديد الوسامه لكنك حسن المظهر إلي حد كبير إن كان هذا قد سمح لك بالحصول علي عمل محترم يدر دخل لا بأس به ,
و شقه متواضعه لكنها تفي بالغرض , متزوج من امرأه تعشق التلصص علي الجيران , و تعتبر دس انفها بشؤون الأخرين حق مشروع لها منذ الميلاد .

إن كنت هكذا فأصغي إلي

لا تقبل الدعوه .. صدقاً لا تقبل الدعوه مهما يكن .

إذا رأيت البطاقه الصغيره الأنيقه التي تحمل عنوان " دعوه خاصه لفلان و حرمه " إلي عيد ميلاد , إلي حفل زفاف , إلي إفتتاح .. الخ ... لا تقبلها

احرقها , القي بها من النافذه , تناولها مع الغداء حتي .. لا تتركها بسله القمامه لأن مظهرها الفاخر سيجذب انظار زوجتك العزيزة المتلصصه , ستلتقطها بأصابع فضوليه و عيناها تتسعان انبهاراً

اتدرك فداحه ما سيحدث بعدها ؟ .. لا ؟

إذن دعني أخبرك ..

*****

ربطات عنق انيقه و رائحه فجه لعطور فاخره .. هكذا ستكون البدايه .
القاعه التي سيقام بها الإحتفال هي – غالباً- قاعه الاستقبال بمنزل رئيسك بالعمل , و هي من الاتساع بحيث تصلح لإبتلاع منزلك بالكامل

لكنك ستتقدم إلي الداخل و زوجتك تتأبط ذراعك مأخوذه بكل هذه الفخامه , بكل هذه الأجساد الغارقه بالبريق , ستتقدم ناظراً يمنه و يسار في كبرياء مصطنع بينما داخلك يقاوم للفرار ركضاً عبر الأبواب الأماميه المتسعه .

هناك موسيقي شبابيه و ضحكات تعلو من مكان ما لكنك لا تهتم , ستستقبلك شابه حسناء المظهر تضع علي وجهها كم هائل من المساحيق حتي اصبح من الصعب التفرقه بين لونها الأصلي و لون الجدار الشاحب خلفها .. بعد هذه الشابه ستأتي زوجه المضيف .

رجل علي هذا القدر من الثراء لا تتوقع إن يقل جمال زوجته عن أحد تلك التماثيل الإغريقيه القابعه في الأركان ..
ستنظر لها بفم متسع و ستتظاهر هي بأنها لم تلاحظ , يعلو صوت زوجتك جوارك و تعلو الضحكات المصطنعه من الطرفين ثم تتركانك و تمضي .. كلتاهما .

الآن عزيزي ستصبح وحيد .

في البدايه ستشعر بأنك افضل , علي الأقل تخلصت من ثقل زوجتك بذراعك , اصبح لك حريه الحركه , لكنك للأسف لا تعرف كيف تستغل هذه الحريه الجديده .

انت غريب عن المكان تماماً , لست من هذا النوع الذي يدس نفسه وسط أي تجمع مطلق دعابه ما علي سبيل كسر الحاجز الجليدي ,
البشر من هذا النوع قلائل .. وانت لست منهم .

لذا ستقف وحيد .. ستنظر حولك وحيد .

و بينما انت وحدك .. ستلاحظ تلك اللوحه فوق الجدار القاتم بنهايه القاعه .

هذا ذوق غريب بالنسبه لرجل غارق بالبهرجه إلي هذه الدرجه

الإطار المذهب و الإضائه السفليه حول اللوحه ستبدو مثيره للإعجاب ,لكنك لا تفقه شئ بالفن سوي ما إعتدت رسمه بالمدرسه الإبتدائيه بأقلام " فلوماستر " بهت لونها من كثره الاستخدام ,
لهذا ستري اللوحه غريبه لكنها ليست اكثر من غابه يابسه امام قلعه مصاص دماء , انت رأيت العديد من الأفلام و تعرف كيف تبدو قلاع مصاصي الدماء , هناك قمر كذلك و اجساد باهته , اذا هي مقابر امام القلعه و هذه اشباح , او مستذئبين .. او ....

= اعجبتك ؟

يأتيك الصوت العميق فتلتفت لتجد صاحب المنزل – وهو ايضا رئيسك بالعمل - يقف جوارك و يداه معقودتان بأناقه , متي أتي ؟ , لم تسمع , يبدو انك استغرقت بأفكارك امام اللوحه اكثر مما يجب .

تتراجع خطوات و قد نال منك الإرتباك لكن الرجل يبتسم و ينظر للوحه بدوره .

= هذه الصغيره اسرت قلبي منذ رأيتها للمره الأولي , عجزت عن رفع عيناي عنها , عجزت عن تركها...

يتوقف الرجل عن الكلام للحظه ليتأمل اللوحه بشغف قبل أن يواصل :

= كلفتني دولارات و دماء .. لكنني تمكنت من الحصول عليها اخيراً .

سيضحك بمرح بينما أنت تتسائل بنفسك عن معني جملته الأخيره ,
لكنك لا تستطيع سؤاله بالطبع , فقط ستحاول تحضير اجابه دبلوماسيه إذا ما سألك عن رأيك , اجابه لا تتضمن كلمه " مخبول " ,
بالرغم من هذا ستعجز عن إبعاد جملته عن افكارك .. " كلفتني دولارات و دماء ؟! "

تعيد النظر إلي اللوحه .. تبدو كتله من الهراء رمادي اللون , لكن الرجل ينظر لها متأمل , لا .. هو ينظر لك انت في الواقع بينما تكشف بسمته عن صف من الأسنان ناصعه البياض
هذا الرجل ليس علي ما يرام.

**********

الحفل مستمر .. و الضحكات الصاخبه تقطع الهمهمات بين الحين والأخر , رئيسك في العمل سيتركك امام اللوحة الغريبه و يمضي .. بالتأكيد لن يقضي الليل بطوله معك .

فور أن تتجه السهره لهذا المنعطف ... سيصبح لديك خياران

لكنك فضولي , انت بشر لذا انت فضولي

لن تذهب , ستبقي , ستلقي علي اللوحه نظره خاويه اخري و تتمني لو تشطرها إلي نصفين لكنك ستدعها و تبدأ بإتخاذ طريقك نحو وسط القاعه , لا سبب محدد يدفعك للبقاء إلا الفضول , و لِم الفضول ؟ , لأن الرجل حتي الآن لم يوضح الهدف من الحفل
, هذا حقيقي , البطاقه تقول حفل رسمي لكن حتي هؤلاء لا ينفقون هذا الكم من المال من دون أن تكون لديهم مفاجأه ما مخبأه بنهايه الإحتفال .

إبتداء من كعكه , مروراً بالهدايا او الأخبار غير المتوقعه , إنتهاء بالعشاء ..
عشاء حقيقي دسم بعيداً عن الهراء فوق الطاوله المستطيله التي تحتل جانب القاعه الأيمن تلك , هكذا تمضي , غير عابئ بالجميع , الملل يقتلك ,
الإنتظار يدفعك للتأفف بصوت بالكاد مسموع , لكن الموسيقي تهدأ , انت لا تتخيل , هي بالفعل تهدأ .

الهمهمات و الضحكات كذلك بدأت بالتلاشي و الأوجه حولك إلتفتت بفضول لذا تلتفت انت ايضا , بإتجاه اللوحه ستلتفت كما إلتفت الجميع لتري الرجل ذو الشعر الشائب ينظر للحشد بوقار , الإحباط ينهشك من الداخل

هل اللوحه هي المفاجأه ؟ , سيعرض عليكم لوحته الصغيره الحبيبه التي كلفته" دولارات و دماء " ؟ .

لكن لا .. اللوحه ليست المفاجأه .. المفاجأه تقبع اسفل الغطاء الحريري الأبيض , فوق الحامل ذي الأرجل الذي ظهر من حجره جانبيه يدفعه رجلان بزي الخدم
, هذه مفاجأه حقيقيه ذات ابعاد .

سيبدأ قلبك بالتسارع , سيصفو المكان- الذي غلفه الصمت- امام عيناك فجأه , ستلتقط اذناك دقات ساعه ما تقطع الهدوء السائد .. هل كانت هنا مسبقاً ؟ , انت لم تلاحظها وسط الصخب .

الرجل لم يبدأ الكلام بعد , ينتظر شئ ما , قرقعه تأتي من خلفك فتلتفت , هناك عدد قليل من الرؤوس التفتت ايضاً لكن هؤلاء بدا عليهم عدم الإهتمام بينما استبد بك القلق .

لماذا أُغلِقت الأبواب ؟

انت تكره الأماكن المغلقه يا صديقي , تكرهها لذا سيحرك ما حدث معدتك , الدوار , ليس هذا وقته لكن الدوار ينال منك , العرق يغمرك ايضا ,
الرجل جوارك ينظر إليك بدهشه حين تترنح , سيتقدم نحوك و يسألك " هل انت بخير " ؟ , ستحرك رأسك ان لا لكنك لن تقوي علي الكلام .

لذا سيقرر إصطحابك إلي دوره مياه ملحقه بالقاعه , ماذا عن المفاجأه ؟ , فلتذهب للجحيم , انت لن تنتظر أن تتقيأ امام الحضور ,
يتركك الرجل بمقدمه الممر موضح لك الإتجاه الصحيح ويذهب , هكذا تقطع الطريق بنفسك لتغيب بالداخل وانت تلعن حظك السئ .

رئيسك بالعمل بدأ بالكلام

لا تستطيع تحديد ما يقول لكنك تسمع شهقات الإنبهار من الخارج , عقلك يرسم صور لما يمكن أن يكون اسفل الغطاء , هناك هتاف و صفير ايضاً !!
, لكن الأصوات بدت متداخله , ستحاول الإعتدال كي تتمكن من المشاركه في أي كان ما يحدث لكن الدوار يأبي أن يفارق رأسك , لذا تعاود الإنحناء امام المغسله مغمض عيناك بصمت لدقائق .

هذه الدقائق التي ستكون آخر فرصه لإغتنام الصمت

لأن الصرخات ستبدأ حالاً .

*********

بدايه ستسمع صرخه طويله هي اقرب للعويل , ثم و قبل أن تنتبه حواسك ستبدأ باقي الصرخات بالتتابع

الدوار زال , لكنك تحتاج لوقت لإستيعاب ما يحدث
الخبطات بالخارج ترتفع و الصرخات اصبحت الآن مصحوبه بحشرجات مخيفه , هناك اصوات كسر , محاولات يائسه لكسر الباب علي الأرجح ,
انت لست بالخارج لكن يمكن تخيل ما يحدث و إن كنت تعجز عن فهم السبب .

زوجتك بالخارج !! , تنتبه لهذا لكنك متأخر , ففور أن تقرر الخروج يندفع رجل مكتنز عبر الباب و هو يترنح بهستيريا .

ستحتاج لثواني للفهم ماهيه الشريط الأحمر المندفع من جانب عنقه , ثم ستصرخ حين تدرك أن تلك ما هي الا اوردته التي –كانت- منتفخه تنبض بالحياه و تحولت الأن إلي نافوره متصله من الدم القاني .

ستعلو صرخاتك و تحاول الركض لكن الرجل ذو الأعين الجاحظه هذا سينكب فوقك و هو يعتصر ملابسك , انت لا تعلم ما يريد , هو لا يعلم ما يريد كذلك ,
" انقذني " التي صرخت بها عيناه كان اوانها قد فات و انهار الرجل كتله واحده امام قدميك .

الآن التردد يجد طريقه ليجاور عدم الفهم و الذعر بعقلك , تخشي ان تخرج لكن خروجك واجب , الرجل جوار قدمك يقدم لك إنتفاضه اخيره فتنتفض بدورك ,
الآن توقف الفضول عن تحريكك , لم يعد هناك ما يتحكم بك سوي غريزه البقاء ,
عليك الفرار .. هذا هو جام ما تفكر به .. الفرار

زوجتك هناك , طريقك الوحيد للخروج هناك .. كلاهما صعب الوصول اليه

الصرخات تتعالي , لا في الواقع هي تقل , عيناك لا تفارقان الباب و العصاره المقززه ترتفع من معدتك حتي تكاد تخترق جمجمتك , صرخات اخري , اقرب هذه المره
ثم الصمت التام .

هناك مقوله تنص علي أن الصمت – احيانا – يصبح اعلي من الاف الصيحات التي تهدر معاً , كنت لتتذكر هذه المقوله لو لم يكن عقلك في حاله من الجمود , كيف وصلت الأمور إلي هذا الحد ؟ , سؤال لم و لن تسأله لنفسك ..لكنك ستشعر به .

ستعجز عن التفكير الصحيح لكنك ستتقدم , ستدير مقبض الباب و ستخرج .
عندها ستري ما آلت اليه الأمور .

ستري الأضواء الساطعه و الجدران الفخمه ..

مازالت فخمه علي الرغم من طبقات الدماء اللزجه التي تقطر منها , الأجساد ذات الملابس الرسميه و اللآلئ المحيطه بالصدور لاتزال هنا ايضا , لكنها تكومت ارضا بكل اتجاه , بعضها بدي كمن سقط اثناء الركض ,
البعض الأخر كانت تعابيره غريبه , من المفترض أن تكون شرسه لكن يصعب استيضاح ذلك وسط كل تلك التشوهات .

حين تتوغل اكثر ستري مائده الطعام و ستحزن لأنك لم تمس منها شئ قبل أن يتناثر ما فوقها ارضاً بهذا الشكل , كيف تفكر بهذه الطريقه ؟ .. انها الصدمه فلا تتعجب .

ستتقدم اكثر , ستشعر ببقايا زجاج تتفتت اسفل حذاؤك , اين زوجتك ؟ , هي وسطهم , لكن لا اظنك ستحاول البحث عنها , لن تلمس الموتي ..
هذا فوق قدرتك علي الإحتمال .
تفقد توازنك قليلا حين تتعثر بشئ لين بينما تحاول تفادي جسد أخر , تلقائيا ستتجه عيناك إلي الأسفل

ستراه .. الغطاء الحريري الأبيض يلوي اسفل جسد مترهل لينساب بنعومه وقد فقد بريقه , انت رأيت هذا الغطاء الحريري سابقاً .. هل تذكر اين ؟ .

اجل .. سترفع عيناك لترنو نحو الجهه البعيده من القاعه .
مازالت اللوحه الرماديه هناك , و جوارها كان ما رقد سابقاً اسفل الغطاء .

******

صندوق بندقي اللون , المفاجأه لم تكن اكثر من صندوق !! .
الصندوق مفتوح , و فارغ .. تري ذلك و تعلمه رغم ان المسافه التي تفصل بينكما ليست بقليله ,المفاجأه كانت صندوق صغير ,
لم يكن فارغ بالتأكيد , إن كان ما بداخله هو ما دفع الحضور لقتل بعضهم البعض بهذه الطريقه , إذن فهو لم يكن بالشئ القليل .

بعين عقلك بدأت بتخيل ما جري سابقاً ,
رسمت مشهد لرئيسك بالعمل يقف مخاطب الحضور , لابد أن كلماته كانت هامه للغايه , هامه لدرجه أن خطوات النمل ستُسمع إن مر بهذه القاعه اثناء الحديث .

الرجل كان يبتسم , بالتأكيد إبتسم و هو يسحب الغطاء من فوق الصندوق , سيعرض ما بداخل الصندوق علي الوفد المجتمع بعد لحظات ,
او ربما سيبدأ تحدي من نوع ما بعد أن رٌغٌب الجمع فيما يوجد أسفل هذا الغطاء البني المزخرف .

المهم أن المشبك الصغير بمقدمه الصندوق سيُفتح ,
ماذا حدث بعدها ؟؟ .. الله وحده يعلم .
ما بداخل الصندوق وضع نهايه للأمسيه , لا احد رأي ما حدث ..
او نكن ادق لا احد عاش بعد أن رأي ما حدث ,
ربما بإستثناء اللوحه الصغيره جوار الصندوق , هذه اللوحه هي الشاهد الوحيد علي ما دار هنا .

لذا تقترب منها مبهوت الوجه ,
بداخلك تترجاها أن تطلعك علي ما حدث , لكنها مجرد لوحه .. مجرد لوحه دفع صاحبها الكثير من " الدولارات و الدماء " للحصول عليها ." دولارات ودماء " , "دولارات و...

دماء !!!

الخطر لم يكن من الصندوق ابداً , كانت تفسيرك خاطئ منذ البدايه , اللوحه, انها اللوحه!!

ستفهم .. ستشعر بالذعر .. و ستستدير مرتجفاً , لكنك لن تجد الوقت الكافي لتهرب
ليس وهذا النصل الحاد يشق الهواء نحو عنقك

عينان و قوائم اربع

Posted by Basy On 7/29/2012



إنهم بكلِ مكانٍ .. لا أعرفُ كيفَ يستطيعون رؤيتي؟!


أسمعهم بالطوابقِ العُليا والطوابقِ السُفلي, صوتهم يصلُ إليّ من المباني المجاورة والشارعِ أيضًا, أقسمُ أنني رأيتُ أحدهم يحدقُ بي من خلفِ العينِ السحريَّة ببابِ المنزل منذُ يومين فقط، هذا يعني أنهم يعرفون بأني هُنا؛ لكنهم بكلِ مكانٍ, وأنا لا أستطيعُ الفرار .


أُدركُ أنك تظن بعقلي الظنون في هذه اللحظة، هذه الكلمات، وهذه النغمة لا تصدر إلا عن مجنون, لكني لست مجنونًا, أقسمُ لك أنا لست مجنونًا, هم هنا فعلًا.. لا أدري إلى أين أذهب, لا أستطيع.. أخشى مواجهتهم إذا ما خرجت.

كيفَ لي أن أواجه هذا الكم منهم؟!

لا.. سأبقى.. أشعرُ بالذعرِ؛ لكن يجب أن أبقى .


اتخذتُ احتياطاتي على أي حال. بابُ الشقةِ مُغلقٌ بإحكامٍ, لَم يُفتَح منذُ زمنٍ لذا تراكم حول عوارضه الخشبيَّة شيءٌ ما من هذه الأشياء الغريبة التي تتراكم بمرورِ الوق.. لا أعرفُ اسمها لكن أعلم أنها تساعد على التصاق الباب بالجدار فيصعب فتحه.

لن يكون فتحه مستحيل رغم ذلك لكنه سيمنحني بعض الوقت للتصرف .

سيأتون قريبًا.. أشعرُ بهذا.. الوقتُ يمضي أسرع مما توقعت!


يمكنني أن أجلب سكينًا من المطبخ وأبقيه أسفل وسادتي في حال باغتني أحدهم.

المشكلة هي أنني لا أثق بالسكاكين في هذه اللحظات. أنا متوترٌ, متوترٌ إلى حد غرس السكين بعنقي الخاص إذا استدعى الأمر لذا من الأفضل أن أُبقيها بعيدةً من بابِ الاحتياط.. لا...
السكاكين لن تصلُح, عليّ التفكير بشيءٍ آخرٍ وبسرعة .

هل سمعت هذا الصوت؟


انتظر لحظة.. أُقسمُ أني سمعتُ صوتَ أقدامٍ بالحجرةِ المجاورة منذ ثوانٍ, لا تتركني وتذهب.. انتظر هنا فقط ريثما أتحقق, أو ربما.. أتعلم ماذا.. لن أذهب.. لن أذهب للتحقق؛ ماذا لو كان أحدهم نجحَ بالدخولِ؟, سأنتظرُ هُنا, لن يجدني أحدٌ هُنا .


تبًا للظلامِ؛ أنا أكرهُ الظلامَ .. هل أخبرتُك بهذا من قبلِ؟

أنا أكرهُ الظلامَ؛ لكنه ضروريّ لمن هم مثلي. رؤيتي عسيرة في الظلام. هؤلاء المتلصصين خارج النافذة من المباني المجاورة يضطرون إلى انتظار النهار إذا ما أرادوا الحصولَ على مشهدٍ لشقتي من الداخلِ .

لا أستطيعُ منعهم لأن النوافذ الكبيرة التي تحتل الجدران توضح الكثير من تفاصيل الشقة لمن ينظر من الخارج؛ لكن عندما أطفئ الأنوار تُحجب الرؤية قليلًا.

لا يمنحني الخصوصية الكافية لكن على الأقل هذا يثير حنقهم, رغم هذا أنا أكرهُ الظلام .

الصوتُ مرةً أخرى!


لا يشبه خطوات إذا ما دققت السمع، هو أقرب لنقراتٍ فوق الأرضِ, أنتظر؟, أجل أنا أسمعه بوضوحٍ الآن , لابد أنه يعبر الـ...

تبًا إنه يعبر في اتجاهي مباشرةً .
لدي عصا خشبيَّة في مكانٍ ما هُنا, لن تكون كافية لكنها ستفي بالغرض مؤقتًا.
لا أحتاجُ إلا إلى تشتيت انتباههم فقط ثم سأركض, سأهرب وليكن ما يكون. .

الصوتُ يرتفعُ.. أرى ظلًا يرتسمُ عبرَ الضوءِ الخافتِ القادمِ من خارج خصاص النافذة لكنه لا يكفي لاستيضاح معالم القادم هذا, هل هُناك أملٌ ألا يراني إذا انكمشت أكثر؟


رباه لا تجعله يراني.. لا تجعله يراني ..


لكنه يعبر.. و.. لقد رآني!


*************


تبًا إنه ليس أحدهم.. هذا مجرد ..


قط!


تنفستُ الصعداء, وآلمني صدري حين تنفست, يبدو أنني كنت أكتمُ أنفاسي طوال هذا الوقت .


القطُ البائس رمادي اللون اتجه إلى أحد جنبات الحجرة الخاوية, أظنه يبحث عن حشرةٍ أو فأرٍ ما يسد رمقه؛

لن يصعب عليه إيجاد إياهما هنا فهذه الأشياء تمرح بالمكان منذ فترةٍ, ضحكتُ بمرارةٍ, يمكنني طرده أو لأدعه ينعم بحياته, لكن.. لكن...

الآن أفكرُ ماذا لو استخدمته كدرع؟

تصرف دنيء هو لكن إن احتفظت به معي هنا فسأتمكن من إطلاقه جهتهم, قطٌ مذعورٌ بشقةٍ مظلمة سيسبب الجذع أيًّا يكن القادم, سيمنحني هذا الوقت الكافي للتصرفِ.
لن أطرده إذن؛ فلندعه هنا. الوقتُ بدأ يمرُ ببطءٍ.. لم يأتِ أحدٌ بعد!

الجو حارٌ فعلًا, ربما بإمكاني أن أخرج قليلًا لأفتح النافذة حتى, ستكون مخاطرة إن أتوا بغتةً لكن هذا أفضل من البقاء هنا والاختناق .


سعلت حين اغتنم التراب الفرصة لاختراق أنفي وأنا أزحف خارجًا, أجفل القط لكنه لم يهرب, استدار ناظر إليّ بحذرٍ ثم عاد يخمش بقايا ورق الحائط باحث عن أي كان ما يبحث عنه.

غريبٌ هو هذا القط!.. لو أنه يعلم, فقط لو يعلم...

نهضتُ أنفضُ ملابسي بأقصى قدرٍ من الهدوء وتلفتتُ حولي منتظرًا سماع صرير الباب كي أُعاود الانكماش أسفل إطار السرير المترب, لكن الصوت لم يأتِ لذا تحركت تجاه وجهتي ومن جديد التفت القط إليّ, عيناه الخضرواتان تلمعان بالظلام وقد بادر بإطلاقِ مواءٍ حزينٍ, بدا بائسًا فعلًا لكن مواؤه دفعني للالتفات إليه. ..


هذا القطُ ليس خائفًا على الإطلاق كما يجدر به أن يكون .


بدايةً لم أفهم لماذا!.. لكن سرعان ما تعلقت عيني بالجرح القطعيّ برقبته ...


**********


ارتفعت خبطةٌ مدويةٌ ثم صرير الباب .


انتفضت من مكاني, لا وقت, لا وقت لقد أتى بالفعل, فلتذهب النافذة والقط إلى الجحيم, عليّ الاختباء الآن .



عضلاتي تؤلمني, الاضطراب بدأ يغزو معدتي وأنفاسي تتسارع لكن عليّ أن أبقى هادئًا. عليّ ألا أُصدر أي صوتٍ.


سأحشرُ نفسي بأقصى ما يمكنني جوار الجدار. ظهري وقدماي تؤلماني فعلًا لكن لا وقت لهذا. إذا ما رآني فسيحدث ما لا تحمد عقباه, عليّ الهدوء .


هناك ضحكات بالخارج, من الواضح أنهما اثنان, لكن صوت أحدهما يبتعد بينما الصوت الآخر ثابت, الرعب يشحذ حواسي بالكامل, أرى أقدام القط جوار الجدار, ماذا يفعل هذا الأبله؟!


الغرباء بالخارج يتفوهون بشيءٍ ما, أظن أن أحدهم يخبر الآخر عن مميزات الشقة, صوت الاستحسان القادم من الرجل جعل دمي يغلي, بأي حق تتعدون على ملكيتي! بأي حق!


الصوت الأبعد أطلق سلامًا وأخبر الآخر أنه سينتظره بالأسفل. نال مني الذعر؛ هذا يعني أن أحدهم لن يذهب!


سمعت صوت الباب يغلق في ذات اللحظه التي تحركت بها قوائم القط مبتعدة, تركني الأحمق الجبان وذهب, تركني وحدي لأواجه القادم من الخارج, لأواجه أحدهم!

أغلقتُ عيني وأصغيتُ السمع, صوت الأقدام يتحرك بالصالة؛ لابد أنه يتفقدُ المكانَ.
الجدران السوداء الآن, لو كان لدي ما يكفي من سعة الصدر لقلت أنه يأسف على ما جري للشقة؛ لكنه مجرد رجل حي أحمق أتى ليتطفل على مكان يخص غيره، لذلك أظن أن تفكيره ينحصر بكيفية تجديدها لا التفكير بما دار بها رُغم هذا لا أستطيع الشعور بالغضب, للأسف لا أستطيع سوى الشعور بالذعرِ.. أتمنى ألا يراني.. يجب ألا يراني .

انتابني الألم من تيبسي بوضعي هذا فحركت ساقي قليلًا, ندى عن هذا صرير خفيف للأخشاب القديمة أسفل مني فتسمرت مكاني خوفًا من أن يكون قد سمعني, لكن الأسوأ أتى على هيئة سعال انطلق مني حين حاولت كتم أنفاسي بملابسي المتربة .


لا أدري إن كانت مخاوفي قد تحققت أم لا لأنني استغرقت بأفكاري حتى أنني لم أدرك أن صوت أقدامه قد توقف, لن أفتح عينيي لكنني أُدركُ الآن دون جهدٍ كبيرٍ أنني أضعته, لا فكرة لدي عن موقعه. أشعرُ بالقلقِ, أين هو؟, أخشى أن أتحرك من جديد كي لا يصدر أي صوت يشير إلى مكاني. ربما أتاني الحظ ولم يتمكن من سماعي المرة السابقة, لكن علي أن أعرف أين هو. .


ضربات القوائم الصغيرة تعود إلى الحجرة؛ إذن عاد القط الأحمق, بل وأصدر مواءً طويلًا كذلك. في هذه اللحظة لم أتمالك إلا أن أفتح عيني؛ لكنني في هذه اللحظة أيضًا لم أتمكن إلا من الصراخ. .


من الجهة الأخرى من الفراش -تحديدًا من الوجه المنحني ذي الأعين المذعورة- ندت صرخة أكبر من تلك التي أطلقتها أنا؛ ليندفع الرجل للجهةِ الأخرى مصطدمًا بالجدارِ وهو يشهق ممسكًا بصدره يترنح. حاول الاندفاع عبر الباب لكنه كان يسقط, يسقط بهبدة مكتومة إلى الأرض الخشبيَّة..


انتصبت شعيرات رأسي للحظات ثم ارتخت؛ لكنني لم أخرج

بل بقيت بمكاني دون حراك أحدقُ بالجسد الواهن الراقد أرضًا أمامي, الرجل كبير السن, على الأقل هذا يفسرُ حدوث نوبة القلب بتلك السرعة .

إذن هو سمعني بالمرةِ الأولى, رعبي يتزايد الآن.. حاولتُ الشعور بالشفقة لكن هو من اقتحم منزلي لمجرد أنه أحد الأحياء، هذا منزلي.. هذا منزلي أنا؛ حتى وإن كنتُ ميتًا فهذا يظلُ منزلي, حتى ولو كان جسدي قد احترق مع الشقة منذ شهورٍ, فهذا بيتي. لا أستطيع الذهاب.. ليس بوجود هذا الكم من الأحياء بالخارج .


لكن ربما علي تغيير مكان اختبائي قبل أن يأتي أحياءٌ آخرون بحثًا عنه.

سيأتي المزيد.. سيأتي آخرون .

ألم أُخبرك أنهم بكلِ مكانٍ؟

عزيزتي سالي

Posted by Basy On 7/27/2012




كم انتِ رائعة يا سالي , كم انتِ نقية , بشوش , بصفاء الملائكة إن ابتسمتِ ,
ببريق العواصف إن حزنتي , تلك الخصلات الذهبية التي تناثرت حول وجهك كلما ركضتي كالأطفال , حتي عيناكِ يا سالي ,
حملت عمق لو حاولت كشف مداه لغرقت دون مُنقِذ ..
حقاً انتِ رائعة يا سالي .. لهذا يا عزيزتي ... قررت قتلكِ .
******

هل تذكرين كيف كنا يا سالي ؟ , هل تذكرين تلك الأيام المشرقة التي قضيناها معاً ؟ , هل تتذكرين كيف اعتدتِ رؤيه الألوان الزاهية للكون
رغم اننا بالمدينة حيث لا مكان سوي للون الرمادي , تنصتين إلي النغمات التي يشدو بها النسيم و التي لا تلتقطها إلا اذنان مثل اذنيك , كان قلبك ينبض كما لو انه يولد مع الخيوط الذهبيه لشمس كل يوم جديد
, حتي خطواتك كانت اقرب إلي خفقان اجنحه طير فوق نبع عذب ..

كنتِ غارقه بالحب حتي الثماله عزيزتي , و كنتي سعيدة ..

لهذا كنت سعيدة انا الاخري ..

********

نحن كاليدان سالي , لا يستقيم الجسد دون وجودهما معاً ,
كعينا الصقر إن فقد احدهما فقد كيانه , نحن توأم يا فتاتي , لكنني اقوي منكِ يا سالي و انتِ اكثر مني رقه ,
انا اكثر منكِ حكمه لكنك بارعة الجمال , لَم اشعر يوماً بالغيره منك , بل و تمنيت بكثير من الاوقات ان اغدو مثلك , ان نستيقظ لنجد انكِ انا , و انا انتِ , عندها انطلق , ابتسم , اذوب بالحياة و انا مطمئنه أن هناك من يراقبني , من سيحميني إن وقع خطأ ما ..

لكن هذا كان حُلم عزيزتي سالي , كان حلم يقظه و بقيتِ انتِ انتِ , و بقيت انا هي انا .
هل تحبينني يا سالي ؟ انا اقرب الجميع إليكِ , اكثرهم خوفاً عليكِ و انبهاراً بكِ , لَم يكن اهتمامك يوماً منصب عليٌ , كنتِ تجبريني علي الا اتدخل بشؤونك الخاصه , و إعتدت أن انزوي و اراقب فقط .

لكنني احببتك في كل لحظه , كنت مهووسه بكِ بينما انتِ مهووسه به , لا تنكري يا سالي فأنتِ تبعته مثل ظله , ابتسمتِ حين ابتسم و بكيتي حين عقد حاجباه و صمت , كنتِ خائفه مثلي في البدايه لكنكِ تخليتي عن خوفك و تهتي بدوامه ال " هو " , بينما ظل التوجس ينهش قلبي انا .

انا اغار يا سالي , ليس منكِ بل عليكِ ..

لذا حين اخبرتك بأنه كاذب و طالبتيني بالصمت لم اصمت , حين حذرتك منه و رفضتي الإستماع حاولت إقناعك , لكنك لَم تقتنعي يا سالي , لم استسلم وواصلت محاولاتي لإبعادك , لإنقاذك , لكنك تغيرتي كثيراً ,
غدوتِ اكثر عصبيه و اقل تمسكاً بي .. حينها استسلمت .

خِفت أن تدفعيني بعيداً عن حياتك فلذت بالصمت و بقيت اراقب فقط , لم اكن اري ابعد مما ترين لكنكِ قدمتي حسن النيه بينما قدمت انا سوءها ...

و كنت محقه ..

******

هل تذكرين هذا اليوم ؟

ان كنتِ قد نسيتي فانا لازت اتذكر .. كانت هذه هي نقطه البدايه .

حين مضيتي إليه ذلك اليوم كنتِ بأبهي حلة لديك , اذكر هذا العبير الذي تلألأ حولك يومها , أذكر بريق عيناكِ و الإبتسامه الصافيه التي توجت فاك . طلبتي مني البقاء بالمنزل هذه الليله لكني كنت مصره علي مرافقتك , و رافقتك .

كنا معاً حين رأيناه الجانب الأخر من الطريق , يقف منتظراً و خصلات شعره الاسود تتناثر حول وجهه الغير واضح وسط الظلال بالشارع البارد , كان وسيم لا انكر هذا , العبوس الذي كلل وجهه زاده جمالاً , و مرفقه الذي انثني قرب صدره زاده اناقه , بداخلي تحرك شئ ما , شعور لم اختبره قبلاً لكنني لذت بالصمت كي لا تخطئي التفسير .

حين قطعنا الطريق و اقتربنا منه كنت انظر حولي , لم يكتسب الليل السكون التام بعد بل عَلَت الاصوات القادمه من الشوارع حولنا ,
انا اكره المدينه .. هل اخبرتك بهذا قبلاً ؟ .

تنحنح للكلام فإتخذت خطوه مبتعده دون رغبه مني , اعطيتكما المساحه الكافيه للحديث بحريه و طفقت انتظر بعيداً , لَم استمع يا سالي , ادرت وجهي اتطلع بوجوم إلي الأبنيه المرتفعه حولنا , إلي النوافذ المضاءه أو المغلقه بالأدوار العاليه , بدت لي الأبنيه كالحصون يومها , نحن محاصرتان يا صغيرتي , محاصرتان بعالم صار يترنح بين الموت كمداً او الموت إشتعالاً .

تذكرت قولك " من اللون الرمادي يُولد البريق الذهبي , العنقاء تأتي من الرماد ..اليس كذلك ؟ " , تذكرت وضحكت ..
كم انتِ ساذجه يا صغيره , تلقائياً إلتفت نحوك لكنني لم اتوقع أن اري ما رأيت .

كنتِ تقفين هناك مبادله اياي النظر بينما يمضي " هو " بعيداً , إرتجف قلبي وقد فهمت أن ما اخشاه قد حدث .

لَم ار الدموع بعينك يا سالي .. لكن بريقهما كان قد إنطفأ .. للأبد .

***********

انا احبكِ يا سالي .. احبكِ لذا لم القي عليكِ اللوم , مضيت خلفك بينما تهيمين بالشوارع غير قادره علي الحديث , ماذا عساي أن اقول يا سالي ؟ , بم ابرر ما فعل ؟ , حذرتك يا سالي , و كنت انتظر الاسوأ , لكنني لم اتوقع أن يتركك هكذا ..
ليس بهذه الطريقه , ليس دون مبرر .

شعرت بكِ تتحطمين ببطء , شعرت بالجمود داخل عقلك الغض , سمعت " لماذا ؟ " التي ترددت بعقلك , وددت لو اتمكن من مواساتك لكنني عرفت أنكِ لن تستمعي إلي , لن تستمعي لأحد , لذا تبعتك عبر الأرصفه و بين الماره غير العابئين ..

انتظر أن تستديري لنعود , انتظر أن تختبئي بين الأغطيه بالفراش الدافئ مطلقه سراح دموعك أخيراً , حينها سأتمكن من تهدئتك , سأتمكن من حمايتك , سأخذ مكانك إلي أن تستعيدي قوتك .

لكن الوقت مضي يا سالي , الوقت مضي و السكون بدأ يغزو الشوارع , الأبنيه ما عادت تنبض بالحياه بل غلفها الضوء البرتقالي المشوه وسط الظلام , اصبح صوت خطواتنا مسموع يا سالي , اعرف انكِ تحتفظين بسكين صغير بحقيبه يدك لكن هذا لن يكفي ..

الوضع ليس آمن و علينا العوده .

انتِ رفضتي العوده يا سالي , رفضتي طاعتي , و لأنني اعلم كيف تفكرين رأيت ما دار بعقلك و ارتعبت .

رأيتك تمضين نحو الأزقه , رأيتك تنظرين لقطاع الطرق المتربصين جوار الجدران , تنظرين بإستهتار مبالغ فيه , انتِ جميله يا سالي , جميله لهذا تبعك احدهم بينما تمضين نحو نهايه الطريق .

رائحه البحر القادمه من خلف المباني المغلقه أثارت ذعري , اعرف انكِ – مثلي - تكرهين إجتماع الظلام و البحر .. لكنك ما كنتِ تهتمين في هذه اللحظه .

لاح الماء من بعيد حينها توقفتِ , عجزت عن رؤيه ما بعقلك حينها لأنني كنت انظر للشاب مشعث الشعر الذي توقف خلفك , بعيناه رأيت نظره ظافره , كان يعلم انكِ له , المكان فارغ و ما من أحد يستمع , لكن هذا لم يكن ما اثار ذعري حينها .

ما اثار ذعري هي النظره التي ارتسمت علي وجهك انتِ .. علي وجهينا .

**********

انا احبكِ سالي , احبكِ و لن اتركك تتعرضين للخطر

هكذا كنا دوماً , طوال حياتنا كنت انا من يتولي زمام الامور حين تضعفين , انا من يرتدي قناع السعادة طوال الوقت , و امام الجميع كي احميك من التساؤلات , انا من راقبتك تبكين ليلاً حين تنهشك الافكار , اشعر بما تشعرين سالي , لكن لم يكن مسموح لي بالبكاء ..
من المفترض انني الأقوى بيننا . ليس مسموح لي بالبكاء يا سالي .

علمت أنكِ ستتراجعين للخلف , و انني من ستضطر للمواجهة , علمت هذا حين شعرت بيدانا تتحرك لتفتح الحقيبة , علمته حين انطلق الرجل نحونا كي ينال منا قبل ان نستغيث .. كان احمق يا سالي , كان احمق و لم يمكن من التوقف قبل أن ينغرس النصل بجسده .

. هل صرخ ؟ , لا اذكر انه صرخ ؟

نالت منه الصدمة لكننا لم نذهب يا سالي اليس كذلك ؟ , لم نستغل الفرصة لنركض عائدتين لمنزلنا بل اعتلينا جسده الذي سقط ارضاً لننحر عنقه بيد ثابته .. و ببطء .

للمرة الاولي شعرت بكِ تتراجعين إلي مؤخره عقلي يا صغيرتي , تتراجعين مرتجفة لكنكِ راقبتي ما افعل , راقبتي يدي الملوثة بالدماء , راقبتي النصل اللامع يغيب بالجسد المغبر مره تلو الأخرى , كانت تلك المرة الاولي لنا يا سالي .. الشعور الاول بنشوه القتل .

حاولتي ايقافي , اعرف انكِ لم تتوقعي أن يصل الأمر للقتل , توقعتي أن اتولي زمام الامور كي نهرب فقط صحيح ؟ .. لكنك كنتِ مخطئه , لا تسأليني لماذا يا سالي , فانتِ تعرفين السبب , انا وانتي واحد , انا و انتي نتشارك جسد واحد , انا و انتي لدينا ذات العقل , ذات الشعور .. لأننا ذات الشخص يا سالي ..

انا الجانب الاقوي من شخصيتك لهذا كنتي تدعيني اتولي زمام الامور حين نمر بالأزمات , ابقيتك بالقرب مني كي تعودي للسيطره إذا ما تفاقمت الامور .لكنك ما كنتِ تعلمين ماذا سيحدث إن تحرر هذا الجانب من شخصيتك اليس كذلك ؟

اليس هذا سبب إبقاؤك لي في الخفاء لحين الحاجه ؟

انتي ضعيفه يا سالي .. انتي ضعيفه جدا و قد سئمت ..

لهذا قررت أن اتحرر يا سالي .. لهذا قررت دفنك داخل عقلي إلي الأبد

لن اسمح لكِ بالعوده يا صغيره , انا احبكِ , احبك كثيراً , لكنني لا ارغب بالمزيد من الألم , لم أعد ارغب بالمزيد من الضعف , لدي الحق لأبكي ايضاً , لدي الحق لأعبر عن غضبي بطريقتي , لا بطريقتك .

كنتي محقه يا حبيبتي , من اللون الرمادي يُولد البريق الذهبي , العنقاء تأتي من الرماد .

لكن العنقاء تحرق .. العنقاء تنفث النار ... وهذا العالم يا سالي , لن ينجو به إلا من ينفث النار .

لا تبكي يا سالي , انا افعل هذا من أجلك .

وداعاً صغيرتي .

فالبقاء .. للأقوي .

الآن افهم

Posted by Basy On 7/23/2012

__* الآن أفهم *__



"هناك اشياء حين تذهب , لا يمكنك استعادتها , وهناك اشياء حين تأتي .. لن تتمكن من تجنبها ."

*******

هبت دفعه اخري من هواء ليل الشتاء البارد فوق الطريق المتلو اسفل اطار الشاحنة , علي جانبي الطريق تململت اوراق الأشجار الغارقة في الظلمة و كأن هذه النسمات الباردة قد ايقظتها من سبات طويل .

كان الوقت متأخر .. متأخر للغاية , ما من سيارات عابره إلا هذه هنا , و هذه هناك , تلك السيارة ذات السائق شبه النائم كذلك , ربما دراجه بخاريه تقطع الصمت بين حين و أخر لكن لا شيء خلاف هذا .. لا شيء علي الاطلاق .

عليك أن تفهم أن هذا الجو لم يكن مريح حتي لشخص مثلي قضي اغلب حياته بالطرقات , و عليك أن تلتمس لي العذر إن كانت يداي المعروقة ترتجفان فوق المقود بينما اتململ بمقعدي ذو الرائحة الجلدية المثيرة للنعاس , لو كان الأمر بيدي لما تركت منزلي الدافئ في ليله كهذه , لكن العمل هو العمل و انا لا خيار لدي فعلاً .. احتاج للشيطان الورقي المسمى بالمال .

لم تكن تلك هي المرة الاولي التي اسلك بها هذا الطريق أو اعمل بوقت متأخر من الليل , لذلك حين بدأت الرجفة المعتادة تمر بذراعي لأشعر بالشعيرات السوداء الباقية به تنتصب علي مهل حولت عيناي عن الطريق و قد علمت معني هذا , بالفعل رأيت الأبنية الرمادية المتجاورة المميزة لمقابر القري الصغيرة تمتد باليسار وقد غلفها الضوء الشاحب القادم من أحد اعمده الإنارة القليلة المتواجدة .هنا و اسفل هذا التراب البارد ترقد مئات الأجساد دون حراك , دون شعور .انقبض قلبي للحظات لهذه الخاطرة و انتزعت عيني عن المشهد بصعوبة .

لكن و ما أن عاودت النظر للطريق حتي ندت عني صرخة مريعة .

اعتصرت قبضتي عجله القيادة و أعلن ازيز الإطارات اسفل مني تهديد رسمي بالانقلاب .. لكنه لم يتحرك .لم يتنحى عن الطريق بل ظل هناك .. ينظر نحوي فقط ..

حاولت .. اقسم انني حاولت ..

لكن رغم هذا عجزت عن تفاديه .. و انتهي كل شيء بلمح البصر .

*****

لم امت .. ما زلت اتنفس

ادركت هذا بصعوبة حين فتحت عيناي , الرؤية غير واضحه بالمره لكنني استطيع تمييز الملامح الخارجيه للأشياء , استطيع تحريك اطرافي ايضاً , لَم يدق عنقي , اذن انا بخير , رفاهيه الرقود في انتظار النجده و التلوي الماً ليست لمن هم مثلي , دعك من انني لا اشعر بالألم من الاساس ..ما هو إلا غثيان مريع فقط , و هذا لا يستأهل كثير من النواح .

كم غبت عن الوعي ؟ , لا ادري , حاولت استرجاع اللحظات القليله قبل الإصطدام فعجزت عن تذكر شئ واضح سوي الاضواء تنحرف امام عيناي و حتي كينونه ما اصطدمت به لم اتمكن من تذكرها رغم انها حمتني بطريقه او بأخري من الإنقلاب فالموت المحتوم .
ثم هناك هذا الرجل الغريب وسط الطريق .. الرجل الذي حولته الشاحنه - علي الأرجح - إلي خرقه بشريه باليه فوق الأسفلت البارد .

ارتجفت بمكاني قليلاً , علي أن اخرج للتأكد مما حدث , لتقدير حجم الخسائر , الصوره المهتزه امام عيناي لم تساعد لذا اغمضتهما و انتظرت دقائق قبل معاوده فتحهما , لكن المرئيات ظلت غير واضحه , حاولت تحريك يدي لتحسسهما ظنا مني أن هذا سيساعد لكن الامور لم تختلف كثيراً ... هذا يعني أن الحادث لم يمر دون أضرار جسديه .

تحركت من جديد ببطء هذه المره اتحسس جسدي باحث عن أضرار اخري , هناك بلل بجانب قميصي لا ادري إن كان العرق ام هو دماء ,لكنني لا اشعر بالألم , هذا يجب أن يكون مؤشر جيد , نجت النافذه الاماميه من التحطم , هذا يعفينا من شظايا الزجاج بالوجه , لكن رغم هذا تحسست وجهي لأقابل ذات البلل البارد .

حين ايقنت انني مازلت قطعه واحده – بإستثناء عيني – قررت التحرك , الرؤيه غير واضحه نعم لكن لا استطيع البقاء طوال الليل داخل الشاحنه في انتظار المجهول , سأخرج لتقييم الضرر , قد يساعد الهواء البارد بالخارج علي تصفيه الرؤيه علي أي حال ..

اطلق مقبض الباب قرقعه خافته لينزلق مفتوح جواري , تحسست طريقي للهبوط و انا اعب الهواء عباً حتي لمست قدماي الأرض , حينها شعرت بوقع القطرات البارده فوق رأسي , تلقائياً رفعت وجهي للسماء

لقد بدأت تُمطر .

*********

مقدمه الشاحنه اصبحت في عداد الموتي , هذا ادركته حين اقتربت منها لتفحصها , من حسن حظي فعلاً أن الزجاج لم يتهشم إثر ضربه كهذه لكن مما اري – او لا اري- , لا اظن قطعه الخرده تلك ستتحرك .. تحسست - ما داركت انه – جذع الشجره التي إصطدمت بها , لم تنج هي الأخري , علي الرغم من ان الرؤيه شبه منعدمه استطعت رؤيه جزء منها يرقد فوق مقدمه الشاحنه , هناك دماء و قطع جلديه ملتصقه بالحاجز الحديدي للسياره , هناك ذراع بارزه من مكان ما, اثار هذا تقززي .

اطلقت زفير ضائق , عليٌ البحث عن مساعده , عاجلا ام اجلا ستمر عربه او شخص راجل من بين الحقول لنجدتي , هذا يحدث دائماً , لسنا بطرق اميريكا العامره بالأشباح و الموتي السائرين .. نحن بمصر , و بمصر النجده تأتي , حتي و إن كانت تأتي متأخره لكنها تأتِ .

اراحتني هذه الفكره قليلاً فمضيت واجماً ابحث عن المصيبه الأخري كي ارتب بعقلي ما سأفعله إن رآه أي يكن من سيأتي لإنقاذي
كنت بمنتصف الطريق تقريباً حين سمعت صوت الأنين .

اصدر حذائي حفيف فوق الأرض الاسفلتيه حين وقفت فجأه , اصغيت السمع لكن الصوت توقف برهه , ثم عاد يدوي من جديد وسط الصمت , انين طويل معذب صاحب نقرات الامطار فوق الأرض .

ضاقت عيناي لإستيضاح الرؤيه أكثر وقد سرت بجسدي رعده مفاجئه , الجسد كان يرقد بوسط الطريق علي بعد امتار قليله من مؤخره الشاحنه , قوه الأمطار كانت ثابته لذا تمكنت من رؤيه حدوده الخارجيه , ظننت في البدايه أنه مصدر هذا الأنين و كدت اهرع نحوه , لكن حين تكرر الصوت ادركت أنها لم تكن استغاثه مُصاب .

رددت بعض الأدعيه بسري و انا اتراجع حتي التصقت بالشاحنه طلباً للحمايه , راودتني افكار متردده عن الهرب , يمكنني أن اركض لكن إلي اين سأصل ؟ , المشكله لا تكمن في انفاسي التي لن تسعفني , بل هي في عيني التي لن تساعد إلا في تحولي إلي جسد بالِ أخر , ليقف مسكين أخر - إصطدم بي بالصدفه - بجانب الطريق باحث عن وسيله للنجاه , هذا بخلاف انني لا احبذ الموت قتيل فوق الطريق , الاعمار بيد الله لكن ماذا لو لَم امت ؟ , ماذا لو دهستني سياره مسرعه لأتلوي بألم لساعات بإنتظار الموت قبل أن الفظ انفاسي اخيراً .

لا .. سأبقي هنا , و ليكن ما يكون .

********

لكن الأنين لم يتوقف .. بل إزداد
 .
تلفت حولي , اين السيارات الماره حين تحتاج واحده !! , إستمر المطر بالهطول , تحول جسدي إلي كتله من العرق المخلوط بالماء البارد و عجزت عن ايقاف نوبات الإرتجاف التي اجتاحتني .

هذا الصوت يمزق اعصابي .

حاولت السيطره علي عصاره معدتي التي إرتفعت إلي حلقي فما كان إلا ان ازداد شعوري بالدوار , تركز نظري علي القتيل الراقد بالقرب من الشاحنه , ربما كان هو مصدر الصوت و كنت انا احمق كبير , لذا بين لحظه و التاليه قررت أن لا ضرر سيأتي من شبه ميت يئن , تحاملت علي نفسي و جرجرت قدماي بإتجاهه , لو كان حي سأساعده , لو كان ميت .. لن افكر بهذا الإحتمال الآن .

الصوت يزداد ارتفاعاً , انا بالإتجاه الصحيح إذن , رفعت رأسي للسماء من جديد لتتساقط قطرات المطر فوق عيني المصابه , ساهم هذا في شعوري بالراحه فأغمضتهما لثوان , هذه المره حين عاودت النظر كانت الرؤيه اكثر وضوح , رغم عني تقافز قلبي فرحاً , لم يكن الضرر دائم ..

اصابني الدوار مره اخري فترنحت , توقفت لحظه سمعت فيها الحفيف الغريب الذي لم استوضحه مسبقاً , قدرت ان الأشجار المتناثره هي مصدر الصوت لذا حاولت تجاهله و اتجهت نحو الرجل .

انحنيت فوق ركبتاي انظر إليه بشفقه ممزوجه بالألم , كان راقد فوق ظهره لذا تمكنت من رؤيه ملامح وجهه المذعوره بشئ من الوضوح , الأنين عاودت الإرتفاع .. لكنني ادركت الآن انه لم يكن مصدره , لم يشعرني هذا بالراحه بل بالرعب .مع استيضاح الرؤيه اكثر تمكنت من رؤيه العديد من التفاصيل الأخري .

هذا الرجل ميت , ميت جداً , ذراعاه انحنت كل منهما في وضع لا يمكن وصفه , بشرته كقطعه الطبشور , لو كنت طبيب لقلت انه نزف حتي الموت , هذا طبيعي حين يصطدم بشاحنه , الغير طبيعي هو أن تكون بركه الدماء الداكنه حوله بهذا الصغر , هناك تشوه مريع بجسده , , لكن علي الرغم من هذا تمكنت من رؤيه هذا الثقب الغائر بساقه , الثقب الذي تمكنت من رؤيه عظامه عبره , الثقب الذي من المستحيل أن تسببه شاحنه .. انا صدمته بلي , لكنني لم اكن من قتله .. او لأكن اكثر دقه , لم اكن من بدأ بقتله .

لذا حين عاود الأنين الإرتفاع هذه المره .. استدرت انظر خلفي بهلع .

*****

شعرت باللهاث الحار الذي يلفح وجهي , رأيت الأعين المجنونه تنبض بالحمره ثم شعرت بالنصل الحاد يعانق جسدي .. و قبل أن احصل علي الوقت الكافي لإبداء رد فعل حتي كنت اتوسد الارض جوار الجسد الذي دهسته منذ .. منذ متي ؟ , اعجز عن التذكر .

عجزت عن تبين مدي إصابتي لكنني ادركت انها ليست طفيفه , لم ار البلل البارد الذي لامس يدي جوار جسدي لكنني علمت ماهيته هذه المره , التقت عيناي بعيناه مره واحده ثم استدار و مضي , الرؤيه الآن كأوضح ما يكون , لكنها لن تظل كذلك كثيراً .

هارب .. و مُلاحِق

كانا إثنان .. صدمت إثنان و ليس واحد .. علي الأقل هذا يفسر الأنين , هذا يتيح لي الفهم .
راقبت معطفه الجلدي الأسود بينما يمضي وسط الأمطار المتتابعه , الآن افهم .. أو ربما .. لحظه واحده !! ....

كانا إثنان .. هكذا استطعت تفسير الثقب بساق ضحيه الحادث , شحوبه الشديد ايضا كان قابل للتفسير بهذه الطريقه , مصدر الأنين كذلك اصبح واضح , القطع الجلديه و الدماء بمقدمه الشاحنه ..

لكن ماذا عن الذراع امام الشاحنه ؟؟ ...

تذكرت مشهد الجسد المجاور لي , "ذراعاه انحنت كل منهما في وضع لا يمكن وصفه" لكنهما كانتا هناك , الذراع امام الشاحنه للرجل الاخر !! , كيف نجي من اصطدام كهذا !! .

اتسعت عيناي في نظره اخيره للرجل الذي بدأ يغيب عن نظري

اسئله كثيره دارت بعقلي لكن فات االاوان ..

لا مجال للفهم الآن ...

____________________
__ تمت __