بندورا

Posted by Basy On 8/06/2012


لم يعد هناك الكثير من الوقت , لذا دعني اسدي لك نصيحه صغيره قبل أن يفوت الأوان ..

إن كنت رجل متوسط الحال ,
لست شديد الوسامه لكنك حسن المظهر إلي حد كبير إن كان هذا قد سمح لك بالحصول علي عمل محترم يدر دخل لا بأس به ,
و شقه متواضعه لكنها تفي بالغرض , متزوج من امرأه تعشق التلصص علي الجيران , و تعتبر دس انفها بشؤون الأخرين حق مشروع لها منذ الميلاد .

إن كنت هكذا فأصغي إلي

لا تقبل الدعوه .. صدقاً لا تقبل الدعوه مهما يكن .

إذا رأيت البطاقه الصغيره الأنيقه التي تحمل عنوان " دعوه خاصه لفلان و حرمه " إلي عيد ميلاد , إلي حفل زفاف , إلي إفتتاح .. الخ ... لا تقبلها

احرقها , القي بها من النافذه , تناولها مع الغداء حتي .. لا تتركها بسله القمامه لأن مظهرها الفاخر سيجذب انظار زوجتك العزيزة المتلصصه , ستلتقطها بأصابع فضوليه و عيناها تتسعان انبهاراً

اتدرك فداحه ما سيحدث بعدها ؟ .. لا ؟

إذن دعني أخبرك ..

*****

ربطات عنق انيقه و رائحه فجه لعطور فاخره .. هكذا ستكون البدايه .
القاعه التي سيقام بها الإحتفال هي – غالباً- قاعه الاستقبال بمنزل رئيسك بالعمل , و هي من الاتساع بحيث تصلح لإبتلاع منزلك بالكامل

لكنك ستتقدم إلي الداخل و زوجتك تتأبط ذراعك مأخوذه بكل هذه الفخامه , بكل هذه الأجساد الغارقه بالبريق , ستتقدم ناظراً يمنه و يسار في كبرياء مصطنع بينما داخلك يقاوم للفرار ركضاً عبر الأبواب الأماميه المتسعه .

هناك موسيقي شبابيه و ضحكات تعلو من مكان ما لكنك لا تهتم , ستستقبلك شابه حسناء المظهر تضع علي وجهها كم هائل من المساحيق حتي اصبح من الصعب التفرقه بين لونها الأصلي و لون الجدار الشاحب خلفها .. بعد هذه الشابه ستأتي زوجه المضيف .

رجل علي هذا القدر من الثراء لا تتوقع إن يقل جمال زوجته عن أحد تلك التماثيل الإغريقيه القابعه في الأركان ..
ستنظر لها بفم متسع و ستتظاهر هي بأنها لم تلاحظ , يعلو صوت زوجتك جوارك و تعلو الضحكات المصطنعه من الطرفين ثم تتركانك و تمضي .. كلتاهما .

الآن عزيزي ستصبح وحيد .

في البدايه ستشعر بأنك افضل , علي الأقل تخلصت من ثقل زوجتك بذراعك , اصبح لك حريه الحركه , لكنك للأسف لا تعرف كيف تستغل هذه الحريه الجديده .

انت غريب عن المكان تماماً , لست من هذا النوع الذي يدس نفسه وسط أي تجمع مطلق دعابه ما علي سبيل كسر الحاجز الجليدي ,
البشر من هذا النوع قلائل .. وانت لست منهم .

لذا ستقف وحيد .. ستنظر حولك وحيد .

و بينما انت وحدك .. ستلاحظ تلك اللوحه فوق الجدار القاتم بنهايه القاعه .

هذا ذوق غريب بالنسبه لرجل غارق بالبهرجه إلي هذه الدرجه

الإطار المذهب و الإضائه السفليه حول اللوحه ستبدو مثيره للإعجاب ,لكنك لا تفقه شئ بالفن سوي ما إعتدت رسمه بالمدرسه الإبتدائيه بأقلام " فلوماستر " بهت لونها من كثره الاستخدام ,
لهذا ستري اللوحه غريبه لكنها ليست اكثر من غابه يابسه امام قلعه مصاص دماء , انت رأيت العديد من الأفلام و تعرف كيف تبدو قلاع مصاصي الدماء , هناك قمر كذلك و اجساد باهته , اذا هي مقابر امام القلعه و هذه اشباح , او مستذئبين .. او ....

= اعجبتك ؟

يأتيك الصوت العميق فتلتفت لتجد صاحب المنزل – وهو ايضا رئيسك بالعمل - يقف جوارك و يداه معقودتان بأناقه , متي أتي ؟ , لم تسمع , يبدو انك استغرقت بأفكارك امام اللوحه اكثر مما يجب .

تتراجع خطوات و قد نال منك الإرتباك لكن الرجل يبتسم و ينظر للوحه بدوره .

= هذه الصغيره اسرت قلبي منذ رأيتها للمره الأولي , عجزت عن رفع عيناي عنها , عجزت عن تركها...

يتوقف الرجل عن الكلام للحظه ليتأمل اللوحه بشغف قبل أن يواصل :

= كلفتني دولارات و دماء .. لكنني تمكنت من الحصول عليها اخيراً .

سيضحك بمرح بينما أنت تتسائل بنفسك عن معني جملته الأخيره ,
لكنك لا تستطيع سؤاله بالطبع , فقط ستحاول تحضير اجابه دبلوماسيه إذا ما سألك عن رأيك , اجابه لا تتضمن كلمه " مخبول " ,
بالرغم من هذا ستعجز عن إبعاد جملته عن افكارك .. " كلفتني دولارات و دماء ؟! "

تعيد النظر إلي اللوحه .. تبدو كتله من الهراء رمادي اللون , لكن الرجل ينظر لها متأمل , لا .. هو ينظر لك انت في الواقع بينما تكشف بسمته عن صف من الأسنان ناصعه البياض
هذا الرجل ليس علي ما يرام.

**********

الحفل مستمر .. و الضحكات الصاخبه تقطع الهمهمات بين الحين والأخر , رئيسك في العمل سيتركك امام اللوحة الغريبه و يمضي .. بالتأكيد لن يقضي الليل بطوله معك .

فور أن تتجه السهره لهذا المنعطف ... سيصبح لديك خياران

لكنك فضولي , انت بشر لذا انت فضولي

لن تذهب , ستبقي , ستلقي علي اللوحه نظره خاويه اخري و تتمني لو تشطرها إلي نصفين لكنك ستدعها و تبدأ بإتخاذ طريقك نحو وسط القاعه , لا سبب محدد يدفعك للبقاء إلا الفضول , و لِم الفضول ؟ , لأن الرجل حتي الآن لم يوضح الهدف من الحفل
, هذا حقيقي , البطاقه تقول حفل رسمي لكن حتي هؤلاء لا ينفقون هذا الكم من المال من دون أن تكون لديهم مفاجأه ما مخبأه بنهايه الإحتفال .

إبتداء من كعكه , مروراً بالهدايا او الأخبار غير المتوقعه , إنتهاء بالعشاء ..
عشاء حقيقي دسم بعيداً عن الهراء فوق الطاوله المستطيله التي تحتل جانب القاعه الأيمن تلك , هكذا تمضي , غير عابئ بالجميع , الملل يقتلك ,
الإنتظار يدفعك للتأفف بصوت بالكاد مسموع , لكن الموسيقي تهدأ , انت لا تتخيل , هي بالفعل تهدأ .

الهمهمات و الضحكات كذلك بدأت بالتلاشي و الأوجه حولك إلتفتت بفضول لذا تلتفت انت ايضا , بإتجاه اللوحه ستلتفت كما إلتفت الجميع لتري الرجل ذو الشعر الشائب ينظر للحشد بوقار , الإحباط ينهشك من الداخل

هل اللوحه هي المفاجأه ؟ , سيعرض عليكم لوحته الصغيره الحبيبه التي كلفته" دولارات و دماء " ؟ .

لكن لا .. اللوحه ليست المفاجأه .. المفاجأه تقبع اسفل الغطاء الحريري الأبيض , فوق الحامل ذي الأرجل الذي ظهر من حجره جانبيه يدفعه رجلان بزي الخدم
, هذه مفاجأه حقيقيه ذات ابعاد .

سيبدأ قلبك بالتسارع , سيصفو المكان- الذي غلفه الصمت- امام عيناك فجأه , ستلتقط اذناك دقات ساعه ما تقطع الهدوء السائد .. هل كانت هنا مسبقاً ؟ , انت لم تلاحظها وسط الصخب .

الرجل لم يبدأ الكلام بعد , ينتظر شئ ما , قرقعه تأتي من خلفك فتلتفت , هناك عدد قليل من الرؤوس التفتت ايضاً لكن هؤلاء بدا عليهم عدم الإهتمام بينما استبد بك القلق .

لماذا أُغلِقت الأبواب ؟

انت تكره الأماكن المغلقه يا صديقي , تكرهها لذا سيحرك ما حدث معدتك , الدوار , ليس هذا وقته لكن الدوار ينال منك , العرق يغمرك ايضا ,
الرجل جوارك ينظر إليك بدهشه حين تترنح , سيتقدم نحوك و يسألك " هل انت بخير " ؟ , ستحرك رأسك ان لا لكنك لن تقوي علي الكلام .

لذا سيقرر إصطحابك إلي دوره مياه ملحقه بالقاعه , ماذا عن المفاجأه ؟ , فلتذهب للجحيم , انت لن تنتظر أن تتقيأ امام الحضور ,
يتركك الرجل بمقدمه الممر موضح لك الإتجاه الصحيح ويذهب , هكذا تقطع الطريق بنفسك لتغيب بالداخل وانت تلعن حظك السئ .

رئيسك بالعمل بدأ بالكلام

لا تستطيع تحديد ما يقول لكنك تسمع شهقات الإنبهار من الخارج , عقلك يرسم صور لما يمكن أن يكون اسفل الغطاء , هناك هتاف و صفير ايضاً !!
, لكن الأصوات بدت متداخله , ستحاول الإعتدال كي تتمكن من المشاركه في أي كان ما يحدث لكن الدوار يأبي أن يفارق رأسك , لذا تعاود الإنحناء امام المغسله مغمض عيناك بصمت لدقائق .

هذه الدقائق التي ستكون آخر فرصه لإغتنام الصمت

لأن الصرخات ستبدأ حالاً .

*********

بدايه ستسمع صرخه طويله هي اقرب للعويل , ثم و قبل أن تنتبه حواسك ستبدأ باقي الصرخات بالتتابع

الدوار زال , لكنك تحتاج لوقت لإستيعاب ما يحدث
الخبطات بالخارج ترتفع و الصرخات اصبحت الآن مصحوبه بحشرجات مخيفه , هناك اصوات كسر , محاولات يائسه لكسر الباب علي الأرجح ,
انت لست بالخارج لكن يمكن تخيل ما يحدث و إن كنت تعجز عن فهم السبب .

زوجتك بالخارج !! , تنتبه لهذا لكنك متأخر , ففور أن تقرر الخروج يندفع رجل مكتنز عبر الباب و هو يترنح بهستيريا .

ستحتاج لثواني للفهم ماهيه الشريط الأحمر المندفع من جانب عنقه , ثم ستصرخ حين تدرك أن تلك ما هي الا اوردته التي –كانت- منتفخه تنبض بالحياه و تحولت الأن إلي نافوره متصله من الدم القاني .

ستعلو صرخاتك و تحاول الركض لكن الرجل ذو الأعين الجاحظه هذا سينكب فوقك و هو يعتصر ملابسك , انت لا تعلم ما يريد , هو لا يعلم ما يريد كذلك ,
" انقذني " التي صرخت بها عيناه كان اوانها قد فات و انهار الرجل كتله واحده امام قدميك .

الآن التردد يجد طريقه ليجاور عدم الفهم و الذعر بعقلك , تخشي ان تخرج لكن خروجك واجب , الرجل جوار قدمك يقدم لك إنتفاضه اخيره فتنتفض بدورك ,
الآن توقف الفضول عن تحريكك , لم يعد هناك ما يتحكم بك سوي غريزه البقاء ,
عليك الفرار .. هذا هو جام ما تفكر به .. الفرار

زوجتك هناك , طريقك الوحيد للخروج هناك .. كلاهما صعب الوصول اليه

الصرخات تتعالي , لا في الواقع هي تقل , عيناك لا تفارقان الباب و العصاره المقززه ترتفع من معدتك حتي تكاد تخترق جمجمتك , صرخات اخري , اقرب هذه المره
ثم الصمت التام .

هناك مقوله تنص علي أن الصمت – احيانا – يصبح اعلي من الاف الصيحات التي تهدر معاً , كنت لتتذكر هذه المقوله لو لم يكن عقلك في حاله من الجمود , كيف وصلت الأمور إلي هذا الحد ؟ , سؤال لم و لن تسأله لنفسك ..لكنك ستشعر به .

ستعجز عن التفكير الصحيح لكنك ستتقدم , ستدير مقبض الباب و ستخرج .
عندها ستري ما آلت اليه الأمور .

ستري الأضواء الساطعه و الجدران الفخمه ..

مازالت فخمه علي الرغم من طبقات الدماء اللزجه التي تقطر منها , الأجساد ذات الملابس الرسميه و اللآلئ المحيطه بالصدور لاتزال هنا ايضا , لكنها تكومت ارضا بكل اتجاه , بعضها بدي كمن سقط اثناء الركض ,
البعض الأخر كانت تعابيره غريبه , من المفترض أن تكون شرسه لكن يصعب استيضاح ذلك وسط كل تلك التشوهات .

حين تتوغل اكثر ستري مائده الطعام و ستحزن لأنك لم تمس منها شئ قبل أن يتناثر ما فوقها ارضاً بهذا الشكل , كيف تفكر بهذه الطريقه ؟ .. انها الصدمه فلا تتعجب .

ستتقدم اكثر , ستشعر ببقايا زجاج تتفتت اسفل حذاؤك , اين زوجتك ؟ , هي وسطهم , لكن لا اظنك ستحاول البحث عنها , لن تلمس الموتي ..
هذا فوق قدرتك علي الإحتمال .
تفقد توازنك قليلا حين تتعثر بشئ لين بينما تحاول تفادي جسد أخر , تلقائيا ستتجه عيناك إلي الأسفل

ستراه .. الغطاء الحريري الأبيض يلوي اسفل جسد مترهل لينساب بنعومه وقد فقد بريقه , انت رأيت هذا الغطاء الحريري سابقاً .. هل تذكر اين ؟ .

اجل .. سترفع عيناك لترنو نحو الجهه البعيده من القاعه .
مازالت اللوحه الرماديه هناك , و جوارها كان ما رقد سابقاً اسفل الغطاء .

******

صندوق بندقي اللون , المفاجأه لم تكن اكثر من صندوق !! .
الصندوق مفتوح , و فارغ .. تري ذلك و تعلمه رغم ان المسافه التي تفصل بينكما ليست بقليله ,المفاجأه كانت صندوق صغير ,
لم يكن فارغ بالتأكيد , إن كان ما بداخله هو ما دفع الحضور لقتل بعضهم البعض بهذه الطريقه , إذن فهو لم يكن بالشئ القليل .

بعين عقلك بدأت بتخيل ما جري سابقاً ,
رسمت مشهد لرئيسك بالعمل يقف مخاطب الحضور , لابد أن كلماته كانت هامه للغايه , هامه لدرجه أن خطوات النمل ستُسمع إن مر بهذه القاعه اثناء الحديث .

الرجل كان يبتسم , بالتأكيد إبتسم و هو يسحب الغطاء من فوق الصندوق , سيعرض ما بداخل الصندوق علي الوفد المجتمع بعد لحظات ,
او ربما سيبدأ تحدي من نوع ما بعد أن رٌغٌب الجمع فيما يوجد أسفل هذا الغطاء البني المزخرف .

المهم أن المشبك الصغير بمقدمه الصندوق سيُفتح ,
ماذا حدث بعدها ؟؟ .. الله وحده يعلم .
ما بداخل الصندوق وضع نهايه للأمسيه , لا احد رأي ما حدث ..
او نكن ادق لا احد عاش بعد أن رأي ما حدث ,
ربما بإستثناء اللوحه الصغيره جوار الصندوق , هذه اللوحه هي الشاهد الوحيد علي ما دار هنا .

لذا تقترب منها مبهوت الوجه ,
بداخلك تترجاها أن تطلعك علي ما حدث , لكنها مجرد لوحه .. مجرد لوحه دفع صاحبها الكثير من " الدولارات و الدماء " للحصول عليها ." دولارات ودماء " , "دولارات و...

دماء !!!

الخطر لم يكن من الصندوق ابداً , كانت تفسيرك خاطئ منذ البدايه , اللوحه, انها اللوحه!!

ستفهم .. ستشعر بالذعر .. و ستستدير مرتجفاً , لكنك لن تجد الوقت الكافي لتهرب
ليس وهذا النصل الحاد يشق الهواء نحو عنقك